القائمة الرئيسية

الصفحات

الإنسان ومصيره وفقًا للفيدنتا - الكلمة الافتتاحية

الإنسان ومصيره وفقًا للفيدنتا

 

تأليف: رينيه غينون

الناشر: دار بوسار، 1925

 ترجمة: أبوالحسن

L’Homme et son Devenir selon le Vêdânta

René Guénon

 éd. Éditions Bossard, 1925

 

 



 

الكلمة الافتتاحية

 

لقد أعلنا في أكثر من مناسبة، ضمن مؤلفاتنا السابقة، عن نيتنا تقديم سلسلة من الدراسات التي نعرض فيها، بحسب كل حالة، إما عرضاً مباشراً لبعض جوانب العقائد الميتافيزيقية الشرقية، أو صياغةً لها بأسلوب نراه أكثر وضوحاً وفائدة، مع التزامنا التام بروح هذه العقائد وعدم الإخلال بجوهرها. ويُعد هذا العمل الذي بين أيدينا هو أول هذه الدراسات. وقد اتخذنا فيه من العقائد الهندوسية منطلقاً أساسياً، لأسباب سبق لنا أن أوضحناها. وركزنا على وجه الخصوص على تعاليم الـ"فيدنتا" (Vêdânta)، بوصفها الفرع الأكثر نقاءً وتجريداً في هذه العقائد من حيث الطابع الميتافيزيقي. ومع ذلك، يجب أن يكون مفهوماً بوضوح أن هذا لا يمنعنا من عقد المقارنات عند الحاجة، سواء مع نظريات أخرى من مشارب مختلفة، أو مع فروع أخرى من العقيدة الهندوسية نفسها، طالما تسهم في توضيح أو استكمال ما تقدمه الفيدنتا. ومن الخطأ أن يُؤخذ علينا هذا النهج، لأننا لا نعمل هنا بوصفنا مؤرخين، بل نؤكد مرة أخرى أن غايتنا ليست التوثيق الأكاديمي ولا التوسع المعرفي لأجل ذاته، وإنما هي الفهم الحقيقي للمعاني العميقة، فالذي يعنينا على وجه التحديد هو حقيقة الأفكار في ذاتها. لذلك، وإن كنا قد أوردنا في هذا الكتاب إشارات دقيقة إلى بعض المصادر، فإنما فعلنا ذلك لا من منطلق الاهتمام المتخصص بالاستشراق، بل لنوضح أننا لا نأتي بشيء من عند أنفسنا، بل إن ما نعرضه له جذوره الراسخة في التقليد، ولنمكّن القارئ القادر من الرجوع إلى النصوص الأصلية إذا شاء التوسّع أو التعمّق، إذ لا ندّعي بأي حال من الأحوال أننا نقدم عرضاً كاملاً أو شاملاً، حتى في نقطة واحدة محددة من هذه العقيدة.

 

وأما تقديم عرض شامل ومتكامل للعقيدة، فذلك أمر متعذر تماماً في هذا السياق؛ إذ إن محاولة كهذه ستكون إما عملاً لا نهاية له، أو أنها ستُضطر إلى أن تأخذ شكلاً بالغ التلخيص والإيجاز، الأمر الذي يجعلها غير مفهومة تماماً للعقلية الغربية. ثم إن من الصعب جداً، في مثل هذا العمل، تفادي الوقوع في ما يشبه بناء نظام فكري ممنهج، وهذا يتنافى مع الخصائص الجوهرية للعقائد الميتافيزيقية، التي لا تقوم على "نُظم" بالمعنى الذي يفهمه الفكر الغربي. حتى لو كانت هذه المنهجية شكلية فقط، فإنها تبقى سبباً محتملاً لأخطاء جسيمة، وخصوصاً لأن الذهنية الغربية، بحكم عاداتها الفكرية، تميل بشدة إلى رؤية الأنظمة والمذاهب الفكرية حتى حيث لا يوجد شيء منها في الحقيقة. ومن هنا، فإن من الضروري عدم إعطاء أي مبرر لهذا النوع من التفسيرات الخاطئة، التي درج عليها كثير من المستشرقين، عن قصد أو عن جهل. فالأفضل، إن لزم الأمر، أن يمتنع المرء عن عرض العقيدة على الإطلاق، بدلاً من أن يُسهم في تحريفها، ولو عن غير قصد أو بدافع من حسن النية. ولكن، ولحسن الحظ، هناك طريقة لتجنّب هذا المأزق: وهي أن يُعالج كل عرضٍ جانباً معيناً أو بُعداً محدداً من العقيدة، ويُفرد له دراسة مستقلة، على أن تُخصص دراسات أخرى للجوانب المختلفة الأخرى. ومن الجدير بالذكر أن هذه الدراسات لن تتحوّل، بأي حال، إلى ما يسميه الأكاديميون و"المتخصصون" بـ"الدراسات الجزئية" أو "الأحادية الموضوع"، لأن المبادئ الأساسية للعقيدة ستظل دائماً حاضرة في الذهن، وستُعرض حتى التفاصيل كامتدادات مباشرة أو غير مباشرة لتلك المبادئ الكلية. ذلك أن في المجال الميتافيزيقيالذي هو ميدان الكليّات والحقائق الشاملةلا مكان على الإطلاق للتخصص أو التجزئة.

 

ينبغي أن يكون واضحاً الآن لماذا جعلنا موضوع دراستنا هذه محصوراً في ما يتعلّق بطبيعة الكائن البشري وتركيبه؛ فلكي نجعل ما سنقوله في هذا الصدد مفهوماً وميسَّراً، سنكون مضطرين، بطبيعة الحال، إلى التطرّق إلى نقاط أخرى قد تبدو، للوهلة الأولى، غير مرتبطة مباشرة بهذه المسألة، ولكننا سنعرضها دائماً من منظور ارتباطها بهذا الموضوع بالذات. إن المبادئ الميتافيزيقية، في ذاتها، ذات مدى يتجاوز بكثير أي تطبيق يمكن أن يُستخرج منها؛ ومع ذلك، يبقى من المشروع والوجيه أن تُعرض هذه المبادئ، بقدر المستطاع، من خلال تناول تطبيق معين لها، بل إن هذا الأسلوب له مزايا عديدة من نواحٍ مختلفة. ومن جانب آخر، فإن أي مسألة لا تُعد ميتافيزيقية بحق إلا إذا أُرجعت إلى المبادئ الكلية التي تنبثق منها؛ وهذه حقيقة لا ينبغي أن تُنسى أبداً، إن أراد المرء أن يمارس الميتافيزيقا الأصيلة، لا تلك التي تُمارس على طريقة الفلاسفة المحدثين، والتي لا تعدو أن تكون ميتافيزيقا زائفة.

 

إذا كنّا قد اخترنا أن نبدأ بعرض المسائل المتعلقة بالكائن الإنساني، فليس ذلك لأن لهذه المسائل، من وجهة النظر الميتافيزيقية البحتة، أهمية استثنائية؛ إذ إن هذه النظرة، بما أنها منزهة تماماً عن كل ما هو عارض أو نسبي، لا ترى في الإنسان حالة متميزة أو مفضّلة بأي شكل من الأشكال. وإنما بدأنا بهذه المسائل لسبب عملي: فهي قد طُرحت بالفعل في مؤلفاتنا السابقة، وكان لا بد من استكمالها وتوضيحها، وهذا ما نسعى إلى تقديمه في هذا العمل. أما الترتيب الذي سنتبعه في الدراسات القادمة، فسيعتمد هو أيضاً على الظروف، وسيتحدد بدرجة كبيرة وفق اعتبارات الملاءمة والفرصة، لا وفق تسلسل منطقي أو تراتبي في الأهمية. ونرى من المناسب أن ننبه إلى ذلك منذ الآن، حتى لا يتوهم أحد أن هناك ترتيباً هرميًّا في تناول المسائل، سواء من حيث أهميتها أو من حيث علاقتها التبعية بعضها ببعض. فذلك فهم لم نقصده إطلاقاً. لكننا نعلم – من التجربة – كم من سوء الفهم وسوء التأويل يمكن أن يقع بسهولة، ولهذا سنحرص، قدر استطاعتنا، على تفادي مثل هذه الالتباسات كلما أمكننا ذلك.

 

هناك مسألة أخرى بالغة الأهمية بالنسبة لنا، بحيث لا يمكننا أن نتجاوزها في هذه الملاحظات التمهيدية، رغم أننا كنّا نعتقد – في البداية – أننا أوضحناها بما فيه الكفاية في مناسبات سابقة. ولكننا أدركنا أن كثيرين لم يفهموها على وجهها الصحيح، ولهذا نرى من الضروري التأكيد عليها من جديد وبوضوح أكبر. وهذه المسألة هي التالية: إن المعرفة الحقيقية التي نُعنى بها حصريًّا في هذا العمل، لا تكاد ترتبط بشيءإن ارتبطت أصلاًبـ"المعرفة الدنيوية" أو "العلم الخارجي". فالدراسات التي تُعد جزءاً من هذا العلم الموصوف بـ"الدنيوي" ليست، بأي شكل من الأشكال، إعداداً أو تمهيداًحتى من بعيدلتلقي "العلم المقدس". بل إنّها كثيراً ما تكون عائقاً حقيقياً أمام ذلك، بسبب ما تُحدثه في الذهن من تشوّهات فكرية قد تكون، في أحيان كثيرة، غير قابلة للإصلاح، وهي إحدى النتائج المعتادة لنمط التربية الحديثة. فالعقائد التي نعرضها هنا، لا يمكن أن تُدرس "من الخارج" كما تُدرس المواضيع الأكاديمية الأخرى؛ نحن لا نتحدث هنا عن التاريخ – وقد أوضحنا ذلك مراراً –، ولا عن الفيلولوجيا (علم اللغة والنصوص القديمة)، ولا عن الأدب. ونضيف – حتى ولو بدا كلامنا متكرراً أو مملاً لبعضهم – أننا لا نتحدث عن الفلسفة أيضاً. فجميع هذه الأمور تنتمي إلى ذلك النمط من المعرفة الذي نُسميه "دنيوياً" أو "خارجياً"، ولسنا نستخدم هذه الأوصاف ازدراءً أو انتقاصاً، بل لأنها – ببساطة – كذلك في حقيقتها. ونحن لسنا معنيين هنا بإرضاء أحد أو تجنّب إغضاب أحد، بل نحن معنيون فقط بـقول الحقيقة كما هي، وإعطاء كل شيء اسمه ومكانه اللائق به. وليس من الصواب أن نحجم عن الحديث عن "العلم المقدس" لمجرد أنه قد تم تشويهه بطريقة فاحشة في الغرب الحديث، على يد أدعياء قد يكونون واعين أو غير واعين بخداعهم؛ فالعكس هو الصحيح: يجب أن نؤكد، بصوت عالٍ وصريح، أن هذا العلم موجود حقاً، بل إنه الوحيد الذي نعني أنفسنا به هنا. ومن يرجع إلى ما كتبناه في مواضع أخرى حول تفاهات "الروحانيين الجدد" والغيبيين (Occultistes) والثيوصوفيين، سيدرك فوراً أننا نتحدث عن شيء مختلف تماماً. فهؤلاء أيضاً، من وجهة نظرنا، لا يعدون أن يكونوا "دنيويين" محضاً، بل إنهم يفاقمون وضعهم من خلال ادعاء ما ليس لهم، وهذا هو السبب الرئيس الذي يجعلنا نحرص على كشف زيف ما يروجونه من "عقائد مزيفة" كلما سنحت الفرصة.

 

يجب أن يكون قد تبيّن الآن مما تقدم، أن العقائد التي نعتزم عرضها ترفض، بحكم طبيعتها ذاتها، أيّ محاولة لـ"تبسيطها" أو "تعميمها" على الجمهور العام. ومن السخف حقاً أن يسعى أحد، كما يُقال كثيراً في زماننا، إلى "جعلها في متناول الجميع"، لأن هذه المفاهيم ليست موجّهة إلا لنخبة خاصة، وأي محاولة لإيصالها إلى غير المؤهلين لفهمها، لن تفضي إلا إلى تشويهها وتحريفها. لقد شرحنا في مواضع أخرى ما نعنيه بالنخبة الفكرية، وما الدور الذي يمكن أن تنهض به هذه النخبة إذا قُدّر لها أن تتكوّن يوماً في الغرب، وكيف أن الدراسة الجادة والعميقة للعقائد الشرقية تُعد أمراً ضرورياً في سبيل الإعداد لتلك النخبة. ومن أجل هذا المشروع البعيد الأمد، نرى من واجبنا أن نعرض بعض الأفكار، لمن يستطيع فعلاً أن يستوعبها ويتشربها، دون أن نقوم إطلاقاً بإخضاعها لأي من التحويرات أو التبسيطات التي هي من سمات "المُبسطين الشعبيين"، لأن تلك التعديلات تذهب مباشرة ضد الغاية الأساسية التي نرومها. فليس من شأن العقيدة أن تنحدر وتتقلص إلى حدود الفهم المحدود للجمهور العام؛ بل الواجب هو أن يسعى من يستطيع، إلى الارتقاء بفهمه ليبلغ العقيدة في نقائها وكمالها. فبهذا وحده يمكن أن تتشكل نخبة فكرية حقيقية. ثم إنّ الذين يتلقّون تعليماً واحداً، لا يتساوون في الفهم والاستيعاب؛ فكلٌّ يدركه على قدر ما تسمح به قدراته الفكرية الخاصة، وهو ما يؤدي – بطبيعته – إلى فرز طبيعي، وبدون هذا الفرز لا يمكن أن تقوم هرمية معرفية حقيقية. وقد سبق أن ذكرنا هذه الأمور من قبل، لكن من الضروري أن نستعيدها هنا قبل الشروع في عرض المضمون العقائدي، لا سيما وأن هذه الأفكار بعيدة كل البعد عن الذهنية الغربية المعاصرة، ولذلك فإن الإلحاح في تكرارها ليس عبثاً بل ضرورة.

 

 

النص الأصلي الذي ترجمناه أعلاه:

 

 

AVANT-PROPOS



 
     À plusieurs reprises, dans nos précédents ouvrages, nous avons annoncé notre intention de donner une série d’études dans lesquelles nous pourrions, suivant les cas, soit exposer directement certains aspects des doctrines métaphysiques de l’Orient, soit adapter ces mêmes doctrines de la façon qui nous paraîtrait la plus intelligible et la plus profitable, mais en restant toujours strictement fidèle à leur esprit. Le présent travail constitue la première de ces études : nous y prenons comme point de vue central celui des doctrines hindoues, pour des raisons que nous avons eu déjà l’occasion d’indiquer, et plus particulièrement celui du Vêdânta, qui est la branche la plus purement métaphysique de ces doctrines ; mais il doit être bien entendu que cela ne nous empêchera point de faire, toutes les fois qu’il y aura lieu, des rapprochements et des comparaisons avec d’autres théories, quelle qu’en soit la provenance, et que, notamment, nous ferons aussi appel aux enseignements des autres branches orthodoxes de la doctrine hindoue dans la mesure où ils viennent, sur certains points, préciser où compléter ceux du Vêdânta. On serait d’autant moins fondé à nous reprocher cette manière de procéder que nos intentions ne sont nullement celles d’un historien : nous tenons à redire encore expressément, à ce propos, que nous voulons faire œuvre de compréhension, et non d’érudition, et que c’est la vérité des idées qui nous intéresse exclusivement. Si donc nous avons jugé bon de donner ici des références précises, c’est pour des motifs qui n’ont rien de commun avec les préoccupations spéciales des orientalistes ; nous avons seulement voulu montrer par là que nous n’inventons rien, que les idées que nous exposons ont bien une source traditionnelle, et fournir en même temps le moyen, à ceux qui en seraient capables, de se reporter aux textes dans lesquels ils pourraient trouver des indications complémentaires, car il va sans dire que nous n’avons pas la prétention de faire un exposé absolument complet, même sur un point déterminé de la doctrine.
 
     Quant à présenter un exposé d’ensemble, c’est ici une chose tout à fait impossible : ou ce serait un travail interminable, ou il devrait être mis sous une forme tellement synthétique qu’il serait parfaitement incompréhensible pour des esprits occidentaux. De plus, il serait bien difficile d’éviter, dans un ouvrage de ce genre, l’apparence d’une systématisation qui est incompatible avec les caractères les plus essentiels des doctrines métaphysiques ; ce ne serait sans doute qu’une apparence, mais ce n’en serait pas moins inévitablement une cause d’erreurs extrêmement graves, d’autant plus que les Occidentaux, en raison de leurs habitudes mentales, ne sont que trop portés à voir des « systèmes » là même où il ne saurait y en avoir. Il importe de ne pas donner le moindre prétexte à ces assimilations injustifiées dont les orientalistes sont coutumiers ; et mieux vaudrait s’abstenir d’exposer une doctrine que de contribuer à la dénaturer, ne fût-ce que par simple maladresse. Mais il y a heureusement un moyen d’échapper à l’inconvénient que nous venons de signaler : c’est de ne traiter, dans un même exposé, qu’un point ou un aspect plus ou moins défini de la doctrine, sauf à prendre ensuite d’autres points pour en faire l’objet d’autant d’études distinctes. D’ailleurs, ces études ne risqueront jamais de devenir ce que les érudits et les « spécialistes » appellent des « monographies », car les principes fondamentaux n’y seront jamais perdus de vue, et les points secondaires eux-mêmes n’y devront apparaître que comme des applications directes ou indirectes de ces principes dont tout dérive : dans l’ordre métaphysique, qui se réfère au domaine de l’Universel, il ne saurait y avoir la moindre place pour la « spécialisation ».
 
     On doit comprendre maintenant pourquoi nous ne prenons comme objet propre de la présente étude que ce qui concerne la nature et la constitution de l’être humain : pour rendre intelligible ce que nous avons à en dire, nous devrons forcément aborder d’autres points, qui, à première vue, peuvent sembler étrangers à cette question, mais c’est toujours par rapport à celle-ci que nous les envisagerons. Les principes ont, en soi, une portée qui dépasse immensément toute application qu’on en peut faire ; mais il n’en est pas moins légitime de les exposer, dans la mesure où on le peut, à propos de telle ou telle application, et c’est même là un procédé qui a bien des avantages à divers égards. D’autre part, ce n’est qu’en tant qu’on la rattache aux principes qu’une question, quelle qu’elle soit, est traitée métaphysiquement ; c’est ce qu’il ne faut jamais oublier si l’on veut faire de la métaphysique véritable, et non de la « pseudo-métaphysique » à la manière des philosophes modernes.
 
     Si nous avons pris le parti d’exposer en premier lieu les questions relatives à l’être humain, ce n’est pas qu’elles aient, du point de vue purement métaphysique, une importance exceptionnelle, car, ce point de vue étant essentiellement dégagé de toutes les contingences, le cas de l’homme n’y apparaît jamais comme un cas privilégié ; mais nous débutons par là parce que ces questions se sont déjà posées au cours de nos précédents travaux, qui nécessitaient à cet égard un complément qu’on trouvera dans celui-ci. L’ordre que nous adopterons pour les études qui viendront ensuite dépendra également des circonstances et sera, dans une large mesure, déterminé par des considérations d’opportunité ; nous croyons utile de le dire dès maintenant, afin que personne ne soit tenté d’y voir une sorte d’ordre hiérarchique, soit quant à l’importance des questions, soit quant à leur dépendance ; ce serait nous prêter une intention que nous n’avons point, mais nous ne savons que trop combien de telles méprises se produisent facilement, et c’est pourquoi nous nous appliquerons à les prévenir chaque fois que la chose sera en notre pouvoir.
 
     Il est encore un point qui nous importe trop pour que nous le passions sous silence dans ces observations préliminaires, point sur lequel, cependant, nous pensions tout d’abord nous être suffisamment expliqué en de précédentes occasions ; mais nous nous sommes aperçu que tous ne l’avaient pas compris ; il faut donc y insister davantage. Ce point est celui-ci : la connaissance véritable, que nous avons exclusivement en vue, n’a que fort peu de rapports si même elle en a, avec le savoir « profane » ; les études qui constituent ce dernier ne sont à aucun degré ni à aucun titre une préparation, même lointaine, pour aborder la « Science sacrée », et parfois même elles sont au contraire un obstacle, en raison de la déformation mentale souvent irrémédiable qui est la conséquence la plus ordinaire d’une certaine éducation. Pour des doctrines comme celles que nous exposons, une étude entreprise « de l’extérieur » ne serait d’aucun profit ; il ne s’agit pas d’histoire, nous l’avons déjà dit, et il ne s’agit pas davantage de philologie ou de littérature ; et nous ajouterons encore, au risque de nous répéter d’une façon que certains trouveront peut-être fastidieuse, qu’il ne s’agit pas non plus de philosophie. Toutes ces choses, en effet, font également partie de ce savoir que nous qualifions, de « profane » ou d’« extérieur », non par mépris, mais parce qu’il n’est que cela en réalité ; nous estimons n’avoir pas ici à nous préoccuper de plaire aux uns ou de déplaire aux autres, mais bien de dire ce qui est et d’attribuer à chaque chose le nom et le rang qui lui conviennent normalement. Ce n’est pas parce que la « Science sacrée » a été odieusement caricaturée, dans l’Occident moderne, par des imposteurs plus ou moins conscients, qu’il faut s’abstenir d’en parler et paraître, sinon la nier, du moins l’ignorer ; bien au contraire, nous affirmons hautement, non seulement qu’elle existe, mais que c’est d’elle seule que nous entendons nous occuper. Ceux qui voudront bien se reporter à ce que nous avons dit ailleurs des extravagances des occultistes et des théosophistes comprendront immédiatement que ce dont il s’agit est tout autre chose, et que ces gens ne peuvent, eux aussi, être à nos yeux que de simples « profanes », et même des « profanes » qui aggravent singulièrement leur cas en cherchant à se faire passer pour ce qu’ils ne sont point, ce qui est d’ailleurs une des principales raisons pour lesquelles nous jugeons nécessaire de montrer l’inanité de leurs prétendues doctrines chaque fois que l’occasion s’en présente à nous.
 
     Ce que nous venons de dire doit aussi faire comprendre que les doctrines dont nous nous proposons de parler se refusent, par leur nature même, à toute tentative de « vulgarisation » ; il serait ridicule de vouloir « mettre à la portée de tout le monde », comme on dit si souvent à notre époque, des conceptions qui ne peuvent être destinées qu’à une élite, et chercher à le faire serait le plus sûr moyen de les déformer. Nous avons expliqué ailleurs ce que nous entendons par l’élite intellectuelle, quel sera son rôle si elle parvient un jour à se constituer en Occident, et comment l’étude réelle et profonde des doctrines orientales est indispensable pour préparer sa formation. C’est en vue de ce travail dont les résultats ne se feront sans doute sentir qu’à longue échéance, que nous croyons devoir exposer certaines idées pour ceux qui sont capables de se les assimiler, sans jamais leur faire subir aucune de ces modifications et de ces simplifications qui sont le fait de « vulgarisateurs », et qui iraient directement à l’encontre du but que nous nous proposons. En effet, ce n’est pas à la doctrine de s’abaisser et de se restreindre à la mesure de l’entendement borné du vulgaire ; c’est à ceux qui le peuvent de s’élever à la compréhension de la doctrine dans sa pureté intégrale, et ce n’est que de cette façon que peut se former une élite intellectuelle véritable. Parmi ceux qui reçoivent un même enseignement, chacun le comprend et se l’assimile plus ou moins complètement, plus ou moins profondément, suivant l’étendue de ses propres possibilités intellectuelles ; et c’est ainsi que s’opère tout naturellement la sélection sans laquelle il ne saurait y avoir de vraie hiérarchie. Nous avions déjà dit ces choses, mais il était nécessaire de les rappeler avant d’entreprendre un exposé proprement doctrinal ; et il est d’autant moins inutile de les répéter avec insistance qu’elles sont plus étrangères à la mentalité occidentale actuelle.

تعليقات

مواضيع المقالة