القائمة الرئيسية

الصفحات

علم الحروف

رموز العلم المُقدس، رينيه غينون، تر: عبد الباقي مفتاح

 

 ﻋﻟم اﻟﺣروف ﻋﻧداﻟﺷﯾﺦ اﻷﮐﺑر ﻣﺣﻲ اﻟدﯾن ﺑن اﻟﻌرﺑﻲ

 

في التمهيدات لدراسة حول علم الإلهيات في القبالة(1) يقول السيد واراين (Warrain): الفرضية القبَّالية هي أن اللغة العبرية هي اللغة الكاملة المثلى التي علمها الله للإنسان الأول، ثم يرى لزوم إبداء تحفظات حول الزعم الوهمي بامتلاك عناصر أصيلة خالصة من اللغة الفطرية الأولى، بينما ليس لنا منها سوى بقايا شذرات وتحريفات؛ وهو يعترف على الأقل باحتمال تفرع اللغات القديمة من لغة (أصلية) مقدسة أظهرها ملهمون، وبالتالي لابد من وجود كلمات تعبر عن ماهية الأشياء ونسبها العددية ويمكن أن يقال مثل ذلك عن فن العرافه. ونحن نظن أنه من اللائق تقديم بعض التوضيحات حول هذه المسألة. لكن ننبه أولا على أن السيد واراين أخذ بوجهة النظر التي يمكن أن تنعت بالفلسفية خصوصا، بينما نحن نلتزم بالضبط بالموقف العرفاني والتراثي الروحي، كما هو شأننا على الدوام.

 

نقطة أولى من المُهم لفت الانتباه إليها، وهي أن التأكيد على أن اللغة العبرية هي نفسها لغة الوحي الأول يبدو أن ليس له سوى طابع ظاهري تماما، وليس هو من لب المذهب القبالي نفسه، وما هو في الواقع إلا مجرد حجاب على أمر أعمق بكثير. والدليل هو أن نفس ذلك التأكيد نجده أيضا بالنسبة للغات أخرى، وبالتالي فتلك الأولية إذا اعتبرت حرفيا، إذا صح القول، ينجم عنها تناقض بديهي ]أي تناقض بين مزاعم أهل كل لغة بأن لغتهم هي اللغة الأولى الأصلية[. ومثل ذلك التأكيد موجود خصوصا في اللغة العربية، حتى أن ثمة اعتقاد شائع عموما في البلدان المستعملة فيها بأنها هي اللغة الأصلية الأولى للإنسانية. لكن الجدير بالملاحظة، وهو الذي جعلنا نفكر بأن الحالة هي نفسها في ما يتعلق بالعبرية، هو أن هذا الاعتقاد العامي من أساسه الضعيف الخالي من المصداقية، مناقض صراحة للتعليم التراثي الإسلامي الحقيقي الذي ينص على أن اللغة الآدمية ]أي التي كان يتكلم بها آدم] هي اللغة السريانية، وهي لا مع البلاد المسماة الآن باسم سوريا، كما لا علاقة لها أيضا مع أي لغة قدمها يزيد أو ينقص واحتفظ الناس بذكراها إلى أيامنا هذه. وحسب الشرح المعطى لاسمها، فإن هذه اللغة السريانية هي بالتخصيص "لغة الشمس الإشراقية" (أو الإشراق الشمسي). وبالفعل فلفظة سوريا (Sûrya) هي اسم الشمس باللغة السنسكريتية (اللغة المقدسة عند الهندوس)، ويبدو أن هذا يدل على أن جذرها: سور (Sur)، وهو أحد الألفاظ الدالة على النور، هو نفسه ينتمي إلى تلك اللغة الأصلية (ب).

 

فالمقصود إذن هو سوريا الأولى الأصلية التي تكلم عنها هوميروس (ج) وكأنها جزيرة تقع من وراء أوجيجيا (Ogygie) وهو ما يجعلها مطابقة لتولا (Tula) في أقصى الشمال حيث تظهر الدورات الشمسية. وحسب جوزيف (Josephe) (2)، فإن عاصمة هذه البلاد كانت تسمى هليوبوليس أي مدينة الشمس (3). وهو الاسم الذي أعطى بعد ذلك إلى المدينة المصرية المسماة أيضا أون (On)، كما أن اسم تيبس (Thebes) قد يكون أعطي في البداية كاسم من أسماء عاصمة أوجيجيا. ودراسة التغيرات المتتالية لهذه الأسماء ولغيرها لها أهمية خاصة فيما يتعلق بتشكيل مراكز روحية ثانوية خلال أحقاب مختلفة، وهو تشكيل وثيق الصلة باللغات نفسها المقدر لها أن تكون معبرة عن الأشكال التراثية المناسبة. وهذه هي اللغات التي يمكن أن يعطى لها تخصيصا اسم لغات مقدسة وتبرير المناهج القبالية، وكذلك الأساليب المماثلة لها الموجودة في تراثيات أخرى تستند بالأساس تحديدًا على الفرق الذي ينبغي اعتباره بين اللغات المقدسة واللغات العامية أو الخالية من العمق المقدس.

 

حسبما بيناه في دراستنا حول مليك العالم، فكذلك ما من لغة مقدسة، أو إن شئنا لغة مصدرها علوي (hiératiqueإلا ويمكن أن ينظر إليها كصورة أو انعكاس للغة الأصلية التي هي اللغة المقدسة المثلى، إنها هي الكلمة المفقودة أو بالأحرى المستورة عن بشر العهد المظلم، مثلها مثل المركز الأعلى الذي أمسى بالنسبة إليهم غير مشهود ويتعذر بلوغه. لكن ليس المقصود بهذا بقايا شذرات وتحريفات (من تلك اللغة الأصلية)، وإنما المقصود بالعكس تكييفات مشروعة سوية فرضتها ظروف الأزمنة والأمكنة، وهي تتمثل إجمالا في كون كل رسول أو نذير إنما يستعمل حتما لغة يفهمها المخاطبون بها (هـ) لأنها هي الأليق بعقلية تلك الأمة وزمانها، حسبما بينه سيدي محي الدين بن العربي في بداية الجزء الثاني من كتابه الفتوحات المكية. وهذا هو السبب في تنوع الأشكال التراثية، وعن هذا التنوع ينجر مباشرة تنوع اللغات التي توظف كوسائل للتعبير مناسبة لها. ولهذا فإن جميع اللغات المقدسة ينبغي أن يُنظر إليها أنها حقيقة من إلهام مَن يُوحى إليهم، وإلا فلا يمكن أن تكون مؤهلة للدور المنوط بها في الأساس. وأما اللغة الأولى الأصلية، فلا بد أن يكون أصلها غير بشري [أي أنها وحي إلهي مباشر[ كما هو شأن الملة الأصلية الأولى نفسها (و). وما من لغة مقدسة إلا ولها نصيب من هذا الطابع، فهي سواء من حيث مبانيها أو من حيث معانيها كالانعكاس لتلك اللغة الفطرية الأولى، وهذا الانعكاس يمكن أن يترجم بكيفيات مختلفة تتفاوت أهميتها بين حالة وأخرى، لأن مسألة التكييف تتدخل هنا أيضا. وكمثال: الشكل الرمزي للعلامات المستعملة للكتابة (4) (أي أشكال الحروف الرقمية)، أو كمثال آخر أيضا، خصوصا في العبرية والعربية تناسب الحروف والأعداد (ز)، وبالتالي تناسب الكلمة المؤلفة من تلك الحروف مع مجموع أعدادها.

 

وبالتأكيد إنه لمن الصعب على الغربيين أن يدركوا ما هي حقيقة اللغات المقدسة، لأن ليس لهم في الأوضاع الراهنة على الأقل، اتصال مباشر مع أي منها؛ ويمكن أن نذكر في هذا السياق ما قلناه بكيفية أعم في مناسبات أخرى عن صعوبة استيعاب العلوم التراثية، وأنه أصعب بكثير من استيعاب التعاليم من النمط الميتافيزيقي الخالص، وذلك بسبب طابعها الخاص الذي يربطها دائما بلا انفكاك بهذا الشكل التراثي أو ذاك، ولا يسمح بنقلتها كما هي عليه من حضارة إلى أخرى (ح) وإلا تمسى غير مفهومة تماما، أو لا تعطي إلا نتيجة وهمية إن لم تكن خاطئة بالكامل. وهكذا ليتسنى فعلا فهم مدى مرمى رمزية الحروف والأعداد ينبغي على هذا النحو أن يحياها صاحبها تطبيقا عمليا، حتى في الحوادث نفسها للحياة اليومية، كما هو متاح في بعض البلدان الشرقية. غير أنه من المستحيل مطلقا زعم إدخال اعتبارات وتطبيقات من هذا الطراز في اللغات الأوروبية التي لم توضع لهذا الغرض، ولا وجود فيها للقيمة العددية للحروف والمحاولات التي أراد البعض القيام بها في هذا الإطار من المفاهيم خارج كل معطيات تراثية، هي إذن خاطئة بدءا من نقطة انطلاقها، وإن وقع رغم هذا أحيانا حصول بعض النتائج الصحيحة مثلا في تأويل الأسماء من حيث دلالاتها على أحداث وأحوال تتعلق بالمسمى حامل الاسم (Onomantique)، فليس هذا بديل على صحة وشرعية الأساليب المستعملة، وإنما يدل فقط على نوع من الحدس لا علاقة له طبعا مع الإلهام الروحاني الحقيقي عند من يتعاطونها، مثلما يحصل هذا في كثير من الأحيان في فنون العرافة(5).

 

ولعرض المبدأ الميتافيزيقي لعلم الحروف، يعتبر سيدي محي الدين (ابن العربي) في الفتوحات المكية العالم كأنه مرموز في كتاب: إنه الرمز المشهور عند المنخرطين في تنظيم وردة الصليب باسم Mundi Liber وأيضا باسم Liber Vite كما في رؤيا القديس يوحنا المتعلقة بنهاية العالم (6). وحروف هذا الكتاب مسطرة مبدئيا في نفس الآن بلا انقسام بـ القلم الإلهي. هذه الحروف العاليات هي الماهيات الأزلية أو الأعيان الثابتة في العلم الإلهي، وكل حرف هو في نفس الوقت عدد، وهنا نرى توافق هذا التعليم مع المذهب الفيثاغوري. وهذه الحروف العاليات نفسها، التي هي المخلوقات جميعها، بعد اختزانها المبدئي في العلم الإلهي المحيط، تنزل بالنفس الإلهي ]نفس الرحمان أو كلمة التكوين: كن[ إلى السطور السفلية مبدعة ومشكلة للعالم الظاهر (ط). وهنا مقاربة تفرض نفسها مع الدور الذي تقوم به أيضا الحروف في المذهب المتعلق بنشأة الكون كما هو في سفرا يتسيراه (العبري) (Sepher letsirah)؛ وعلم الحروف في القبالة العبرية له تقريبا نفس الأهمية في التصوف الإسلامي (7).

 

وانطلاقا من هذا المبدأ، نفهم بدون عناء وجود تناسب واقع بين الحروف ومختلف أقسام العالم الظاهر، لاسيما عالمنا نحن (ي). ولا لزوم في هذا الصدد إلى مزيد من الإلحاح على مناسباتها أيضا مع الكواكب والبروج إذ أن ذلك معروف، وتكفي الإشارة إلى أن هذا التناسب يجعل علم الحروف على صلة وثيقة بعلم النجوم من حيث أن هذا الأخير من جملة علوم الكونيات (8). ومن ناحية أخرى، بحكم التناسب بين نشأتي العالم الصغير (أي الإنسان) والكون الكبير، فلنفس هذه الحروف مناسبات أيضا مع مختلف أجزاء الجسم الإنساني، وفي هذا السياق نشير عرضيا إلى وجود تطبيق طبي لـ علم الحروف حيث يوظف كل حرف بكيفية معينة لعلاج الأمراض التي تصيب العضو المناسب له تخصيصاً.

 

ومما ذكرناه يُستنتج أيضا بأن علم الحروف ينبغي أن ينظر إليه في مستويات مختلفة يمكن في الجملة إرجاعها إلى العوالم الثلاثة (ي).

1- فبالنظر إلى دلالته العليا، هو معرفة كل الأشياء في المبدأ نفسه، من حيث هي ماهيات أزلية من وراء كل ظهور أي من حيث هي أعيان ثابتة في العالم الإلهي الأزلي المحيط.

2- وبالنظر إلى دلالته التي يمكن نعتها بالوسطى: علم الحروف هو علم نشأة الكون وتشكيلته، أي معرفة إبداع وتكوين العالم الظاهر.

3- وأخيرا بالنظر إلى دلالته الدنيا، هو معرفة خواص الأسماء والأعداد من حيث أنها تعبر عن طبيعة كل كائن، وهي المعرفة التي يمكن تطبيقها من التصرف، بحكم هذا التناسب، بواسطة تأثير من نمط خفي لطيف على الكائنات نفسها وعلى الحوادث المتعلقة بها (ل).

وبالفعل، فتبعا لما يقوله ابن خلدون (م) فإن الصيغ المرقومة، من حيث أنها تتألف من نفس العناصر المؤلفة لجملة الكائنات، لها بهذا خاصية التأثير عليها، ولهذا أيضا فإن معرفة اسم أي كائن، أي اسمه المعبر عن طبيعته الخاصة، يمكن أن تتيح التحكم فيه. وهذا التطبيق لعلم الحروف هو المسمى في العادة باسم السيمياء (9). ومن المهم التنبيه على أن هذا أعمق بكثير من مجرد وسيلة عرافة. فيمكن أولا، بواسطة حساب الأعداد المناسبة للحروف والكلمات الوصول إلى الاستدلال على بعض الأحداث التي ستقع مستقبلا (10)، لكن هذا لا يشكل سوى درجة ابتدائية هي أبسط الدرجات كلها، ثم يمكن بعد ذلك، انطلاقا من نتائج ذلك الحساب القيام بتحويلات يؤدي تأثيرها إلى تغير يناسبها في الأحداث نفسها.

 

وهنا مرة أخرى ينبغي التمييز بين درجات متفاوته، كما هو الشأن في المعرفة نفسها، حيث أن هذا العلم ما هو إلا تطبيق وتوظيف لها. فعندما يحصل هذا التصرف في العالم المحسوس فقط، فما هي إلا الدرجة الدنيا، وفي هذه الحالة بالتخصيص يمكن الكلام (في بعض الحالات) على (نوع) من السحر، ]وإذا استعمل مثل هذا التصرف بالكيفيات الشرعية السوية لا يسمى سحراً وإنما يسمى رقية[؛ لكن من اليسير تصور أن الأمر من طراز آخر عندما يكون القصد تصرفا له تأثيرات في العوالم العلوية، ففي هذه الحالة نكون طبعا في المجال الروحي العرفاني المساري بأتم معنى الكلمة؛ ولا يمكن التصرف في جميع العوالم [بإذن الله تعالى[ إلا لمن بلغ مقام الكبريت الأحمر (11)، وهي تسمية قد تبدو للبعض غير متوقعة لدلالتها على تطابق بين علم الحروف والكيمياء (بمفهومها الأصيل).

 

وبالفعل فإن هذين العلمين من حيث دلالتهما العميقة، هما في الحقيقة علم واحد وما يعبر عنه كل واحد منهما تحت ظواهر مختلفة جداً، ما هو إلا السياق نفسه للتربية الروحانية العرفانية، وهي كنسخة بالغة الدقة لمسار النشأة الوجودية، فالتحقيق الكامل لإمكانيات الكائن يتم ضرورة بالمرور على نفس الأطوار التي مر بها تحقيق الوجود الكلي (12) (ن).

 

الهوامش:

(1) ومثلها: الحصن الشمسي في تنظيم وردة الصليب، ومدينة الشمس لكامبانيلا (Campanella) إلخ، وإلى هليوبوليس الأولى هذه ينبغي في الحقيقة إرجاع الرمزية الدورية لطائر العنقاء.

(2) جوزيف فلافيوس (37) ق. م - 100 مؤرخ يهودي ولد في القدس - المعرب.

(3) ومثلها: الحصن الشمسي في تنظيم وردة الصليب، ومدينة الشمس لكامبانيلا (Campanella) إلخ، وإلى هليوبوليس الأولى هذه ينبغي في الحقيقة إرجاع الرمزية الدورية لطائر العنقاء.

(4) هذا الشكل يمكن أن يخضع لتغيرات تناسب إعادات تكييف تراثية لاحقة، وقد وقع هذا للعبرية بعد سقوط بابل وأسر أهلها سنة (587 ق.م)، ونقول إعادة تكييف، لأنه من المستبعد أن تكون اللغة القديمة قد فقدت حقيقة خلال حقبة قصيرة دامت سبعين سنة. ومن الغريب عدم التنبه هذا عموما في ما يبدو. وقد حدث مثل هذا في أزمنة متفاوتة القدم، خصوصا للأبجدية السنسكريتية، وإلى حد ما للكتابة التصويرية الصينية.

(5) ويبدو أن بالإمكان أن نقول مثل هذا في ما يتعلق بالنتائج المتحصل عليها في علم التنجيم الحديث الذي هو بعيد عن التنجيم الحقيقي التراثي، رغم المظهر العلمي لمناهجه. وأما التنجيم التراثي فيبدو حقا إن مفاتيحه قد فقدت، وهو أمر آخر مغاير تماما لفن العرافة رغم قابليته طبعا لتطبيقات من هذا الصنف، لكن بصفة ثانوية تماما وعرضية.

(6) لقد كانت لنا الفرصة سابقا للتنبيه على الصلة الموجودة بين رمزية كتاب الحياة وشجرة الحياة، فأوراق الشجرة كحروف الكتاب تمثل جميع كائنات العالم (وهي العشرة آلاف كائن في تراث الشرق الأقصى).

(7) ينبغي أيضا ملاحظة أن كتاب العالم هو في نفس الوقت (الرسالة الإلهية "النموذج المثالي" لكل الكتب المقدسةوالمكتوبات التراثية ما هي إلا ترجماته إلى اللغة الإنسانية. وهذا المعنى مؤكد عليه بوضوح فيما يخص الفيدا (الكتاب المقدس عند الهندوس) والقرآن. وفكرة الإنجيل الأزلي تبين أيضا بأن نفس هذا المفهوم ليس غريبا، أو على الأقل لم يكن دائما غريباً غرابة نامة عن المسيحية.

(8) توجد أيضا تناسبات أخرى للحروف مع العناصر، والطبائع الحسية، والأفلاك السماوية إلخ، وحيث أن عدد الحروف العربية ثمانية وعشرون فهي أيضا على علاقة بالمنازل القمرية.

(9) هذا الاسم سيمياء لا يبدو أنه عربي خالص، ومن المحتمل أنه من الكلمة اليونانية سيمايا (Semeia)، أي علامات، ومعناها قريب من لفظة (gematria) القبالية التي أصلها يوناني أيضا ومشتقة من (grammateria) من (grammata) أي حروف وليس كما يقال من (geometria).

(10) وفي بعض الحالات، بحساب من نفس النمط، يمكن أيضا الحصول على حل مسائل تتعلق بالمبادئ والعقيدة، ويظهر هذا الحل أحياناً في شكل رمزي في غاية الجلاء.

(11) سيدي محي الدين ابن العربي يلقب بالشيخ الأكبر والكبريت الأحمر.

(12) مما يمكن على الأقل وصفه بالعجيب أن الرمزية الماسونية نفسها، حيث الكلمة المفقودة والبحث عنها يلعبان دوراً هاما. تنعت الدرجات المسارية بعبارات مستعارة بوضوح من علم الحروف مثل عبارات يهجي، يقرأ، يكتب والأستاذ الذي من أوصافه لوح التسطير، وإذا كان أهلا لهذا الوصف، يستطيع، ليس فقط أن يقرأ، وإنما أن يكتب في لوح الحياة، أي أن يساهم يوعي في تحقيق مخطط المهندس [المبدع) الأعظم للكون، ومن هنا يمكن الحكم على مدى الفرق الفاصل بين التلقب باسم صاحب هذه الرتبة وبين التحقق الفعلي بها.

 

تعقيبات المعرب

 (أ) القبالة في الملة العبرية تماثل إلى حد ما التصوف في الملة الإسلامية، خصوصا في ما يتعلق بالمعارف الكونية وعلم أسرار الحروف وأعدادها والتصرف بها.

(ب) في حدود علمي لا يوجد كتاب معروف تكلم بتفصيل بديع واف، عن اللغة السريانية الآدمية الفطرية الأصلية التي هي لغة الأرواح، وعن بقايا آثارها في مختلف اللغات، وبالأخص في القرآن الكريم لاسيما في الحروف النورانية الفاتحة لتسع وعشرين سورة من القرآن، مثل كتاب (الإبريز من كلام سيدي عبد العزيز الدباغ) لأحمد بن المبارك الفاسي المغربي، في الباب الثاني منه. والملاحظ في العربية أن كلمة (سور) القريبة من كلمة نور لفظيا، لها عدة دلالات منها المنزلة أو المحل العالي وهو المناسب للشمس في قلب الأفلاك والجذر (سر) قريب جدا من (سر)، فاللغة السريانية هي لغة الأسرار التي تنطق بها الأرواح عندما تتجرد من عالم الحس الكثيف.

(ج) هوميروس (القرن 9 ق.م) ولد في آسيا الصغرى. قيل أنه كان أعمى. شاعر ملحمي يوناني، تُنسَبُ إليه أشعار الألياذة والأوديسية والأغاني الهوميرية التي أثرت تأثيرا عميقا على الشعر اليوناني.

(د) أوجيجيا جزيرة أسطورية في بحر إيجا بآسيا الصغرى، تكلم عنها وعن ملكتها كاليبسوس هوميروس في الأوديسيه. وأما كامبانيلا فهو فيلسوف إيطالي (1568-1639) سجن لمدة عشرين سنة وهاجم الفلسفة المدرسية، ومدينة الشمس عنوان أحد كتبه.

(ه) قال تعالي في الآية 4 من سورة إبراهيم (14): ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ هم) وقد ذكرها الشيخ محي الدين شارحا أو مستشهدا في الأبواب التالية من الفتوحات: بداية الباب 73 (جوابه عن السؤال 87 من أسئلته الحكيم الترمذي) وهو الباب الذي أشار إليه المؤلف /431/405/385/378/263/325/285/234 198/177 (التوحيد العاشر /.560/558/553

(و) قال تعالي في تقرير هذا المعنى في الآية (31) من سورة البقرة (2): ﴿وَعَلَّمَ ءَادَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ).

(ز) يعني حساب الجُمَّل بنوعيه الكبير والصغير، وصنفيه المشرقي والمغربي، مع العلم أن عدد الحروف العربية 28 بينما عدد الحروف العبرية 22.

(ح) يقرر هذا المعنى الشيخ محي الدين بن العربي فيقول في الباب 109 من الفتوحات: عند كلامه على حساب الجمل: (ولا يعتبر فيه إلا اللفظ العربي القرشي، فإنه لغة أهل الجنة، سواء كان أصلا وهو البناء، أو فرعا وهو الإعراب، وغير العربي والمعرب لا يلتفت إليه (...) وهو قولهم لكل إنسان من اسمه نصيب، ومعناه في كل موجود من اسمه نصيب. ولهذا جاءت أسماء النعوت فلا تطلب إلا أصحابها، وهي زور على من تطلق عليه وليست له، وهذا من أصعب المسائل، فإن الاسم إطلاق إلهي، فلابد من نصيب منه لذلك المسمى، غير أنه يخفى في حال مسمى ما، ويظهر في آخر، ومدرك ذلك عزيز). وينظر تفصيل كلام الشيخ محي الدين عن الحروف في الفتوحات في الأبواب التالية: 9/4/3 :198/60/26/20 (خصوصا الفصول من 11 إلى (38) / 371 (خصوصا الفصول / 73 الأجوبة على أسئلة الترمذي (140/139 141 142 - ينظر أيضا كتابه حول الحروف الثلاثة (ميم نون واو).

(ط) هذه الحروف العاليات هي المؤلفة للكلمات الوارد ذكرها في قوله تعالي في الآية (109) من سورة الكهف (18): (قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَتُ رَبِّي وَلَوْ جئنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا). وفي الآية (27) من سورة لقمان (31): ﴿وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَمُ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ، سَبْعَةُ أَبحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَتُ اللَّهِ).

(ي) حول هذا التناسب ينظر في الفتوحات المكية محي الدين بن العربي الباب الثاني، والباب 198 خصوصا الفصول من 11 إلى 38 كما ينظر كتاب المفاتيح الوجودية والقرآنية لفصوص الحكم لعبد الباقي مفتاح.

(ك) العوالم الثلاثة هي: الملك والملكوت والجبروت، أو الجسم والعقل والروح، أو الحس والمعنى والخيال، إلخ.

(ل) نجد الكلام حول المستويين الأول والثاني لـ علم الحروف في كتب التصوف العرفاني السامي ككتب الشيخ الأكبر محي الدين بن العربي وعبد الكريم الجيلي، وأما المستوى الثالث فالكتب فيه كثيرة جداً، ومن أشهرها كتب البوني مثل شمس المعارف الكبرى و منبع أصول الحكمة.

(م) عبد الرحمن بن خلدون (732-808 هـ / 1332-1406م) مؤرخ وفيلسوف اجتماعي عربي. من أعلام زمانه في السياسة والقضاء والأدب والعلوم. عاش في المغرب الإسلامي وتوفي بالقاهرة بعد استقراره بها. أشهر تأليفه مقدمته لكتاب العبر في التاريخ، وفيها خصص لكل علم من العلوم بابا منها باب علم الحروف.

(ن) هذا المعنى يتجلي بكل جلاء في المعراج الروحي الذي يحصل للسالكين طريق التربية الروحية. ينظر وصف ممتاز له عند الشيخ محي الدين بن العربي في الفتوحات المكية الباب 167 والباب 367 ورسالة (الأنوار) ورسالة (الإسراء)، وكذلك للشيخ عبد الكريم الجيلي في كتابه (الإنسان الكامل) ورسالته (مراتب الوجود).


تعليقات

مواضيع المقالة