القائمة الرئيسية

الصفحات


المُقَدِّمَة

 

قد يتساءل البعض، لماذا يجب أن نولي اهتمامًا جادًا - لاسِيَّما من ناحية فلسفية أو سِرَّانِيَّة داخليَّة - للقصص الأسطورية القديمة التي غالبًا ما تبدو غير منطقية أو بلا معنى أو سخيفةً، أو حتى مُسيئة في بعض الأحيان؟

وسيكون الجواب الذي يقترحه المؤلف لقراء هذا الكتاب هو: «دعونا ننظر معًا إلى ما يكمن تحت السطح»، لأنَّ دراسةَ الأساطيرَ بهذه الطريقة - أي باعتبارها أمثالًا تُخفي وتَكشف في الوقت عينه حقائق غاية في الأهمية - يمكن أن تكشف، كما تبيَّن لي، عن مصادر لحكمة عميقة.

وعلاوة على ذلك، يؤمن المؤلف أن الحقائق التي يمكن اكتشافها بهذه الطريقة ستُثبت بلا ريبٍ بأنها مفيدة جدًا والأكثر تنويرًا، ليس فقط في تعزيز الحياة الروحية للفرد وتنويرها، بل أيضًا في توجيه سلوكياته اليومية وتنظيمها واتخاذ قراراته. وفي الواقع، يمكن اعتبار الجوانب غير المعقولة في بعض الأساطير إشارات لافتة تُظهر احتمال وجود معانٍ خفية ومقصودة أُخفيت عمدًا في أعماق العديد من القصص القديمة.

لماذا أُخفيت؟ لأن الفهم الكامل لهذه المعاني - كان في الماضي كما في الحاضر- يمكن أن يؤدي إلى اكتساب معرفة تمنح قوى خطيرة، مثل التنويم المغناطيسي السلبي الذي لا مردَّ له، أي القدرة على التأثير النفسي القوي على الآخرين، أو إيقاظٍ مبكرٍ وغير مضبوط لقوى توليديَّة ذات طبيعة جسدية أو روحانية كامنة، أي إطلاق قوى فيزيائية وغير طبيعية قبل الأوان.

لقد تفضل أحد أصدقاء المؤلف مشكورًا بتقديم قائمة بالقوى الطبيعية، أي الفيزيائية، شديدة الخطورة والتي أتاحها العلم في هذه الأيام والتي حدث أن أُسيء استخدامها بشكل خطير من بعض الجهات المعروفة للجميع. وتشمل هذه القوى ما يلي:

الطاقة الذرية، والمتفجرات التقليدية، والليزر، والأسلحة البيولوجية، والعقاقير المُخدرة، والمعرفة النفسانية المكتشفة بعلم النفس، والإضرار بالآخرين أثناء السعي وراء المعرفة وذلك من خلال التجارب التي تُجرى على مختلف الكائنات ومنها الإنسان، وغيرها الكثير.

إنَّ المعرفة في حد ذاتها ليست ضارة أو شريرة، ولكن يمكن أن يحدث الضرر والشر من جراء استخدام هذه المعرفة بشكل سيئ. وجذر هذا هو رغبة الأفراد أو المجموعات في الحصول على السلطة أو المكاسب بغض النظر عن الضرر الذي يلحق بالأشخاص الآخرين أو أشكال الحياة الأخرى، أو بأنفسهم.

أصبحت المعرفة الباطنية المجتزأة متوفرة بشكل متزايد في الكتب والمجلات الرخيصة. بعض هذه المواد تخاطب بشكل واضح الغرائز الأنانية والدونية، وغالبًا ما تُنشر دون أي تحذيرات من المخاطر المحتملة التي قد تنتج عن استخدامها.

ومن خلال المعدل الذي يكشف به العلم عن معارف جديدة، فمن الصحيح أن نقول إنه سيكون هناك العديد من الاكتشافات في المستقبل، وبعضها يمنح قوة أكبر للضرر من أي شيء معروف في الوقت الحاضر.

لم يكن الهدف من إخفاء الطرق المؤدية إلى هذه القدرات هو منع أولئك الذين يمكنهم استخدامها بشكل إيجابي، سواء لفائدتهم الشخصية أو لخدمة الآخرين، بل كان الهدف حمايتها من الاكتشاف وسوء الاستخدام من قبل غير المستعدين أو غير الجديرين. وبالتالي، لا ينبغي اعتبار هذه الحقائق أو القدرات شر بحد ذاتها، لأنها إذا استُخدمت بشكل صحيح يمكن أن تكون ذات فائدة عظيمة. ولكن لمنع إساءة استخدامها من قبل غير الناضجين أو غير المستحقين، تم التعبير عن بعض الحقائق العظيمة بلغة التمثيل allegory  والرموز.

إذا قُبِلَ هذا النهج، فإن السؤال الذي يطرح نفسه يتعلق بالوسائل التي يمكن من خلالها التمييز بين الأفكار المستنيرة والمفيدة ومشاركتها مع الآخرين:

كيف يمكن للمرء أن يكتشف من كان الآلهة العظام، مثل براهما (في الهندوسية)، وآمون (في المصرية)، وزيوس (في اليونانية)، وأودين (في النوردية)، وغيرهم الكثير، وما قد تعنيه أو تكشفه أفعالهم ومغامراتهم التي تبدو غير معقولة؟

والأهم من ذلك، هل يمكن من خلال التجربة الداخلية المباشرة تعلم ما إذا كانت هذه الآلهة القديمة تجسد قوى إلهية داخل النفس البشرية، والتي يمكن من خلال التعاون معها أن تؤثر بشكل إيجابي على أفكار الإنسان ومشاعره وحياته الشخصية؟

في عصرنا هذا، أصبحت هذه المعرفة تُكشف بشكل أوسع، وإن كان ذلك جزئيًا، لكنها قد تؤدي أحيانًا إلى تصرفات وخبرات ضارة، كما اكتشفتُ من خلال عملي كمستشار في هذا المجال لأكثر من خمسين عامًا. لقد أصبحت مقتنعًا بأن تقديم المعلومات إلى جانب ضمانات الأمان يمكن أن يكون مفيدًا للغاية. أعتقد أن بعض الأساطير - وإن لم تكن جميعها مفهومة أو مقبولة بسهولة - يمكن أن تُفسر وتؤول بطريقة تقدم إرشادات مباشرة وآمنة للحياة اليومية، لتنمية الذات، ولمساعدة الآخرين، وللتقدم على المسار الروحي، الذي ربما يكون الأكثر أهمية([1]).

يمكن الاستشهاد بقصة ديدالوس وإيكاروس كإجابة إضافية على السؤال: لماذا تُخفى هذه المعرفة؟ فالأب، الذي كان حريصًا ومتحكمًا في مدى ارتفاعه بأجنحته المصنوعة من الشمع، نجا واستمرت حياته. لكنه حذر ابنه، إيكاروس، من الخطر. ومع ذلك، استسلم إيكاروس لاعتزازه وغطرسته أثناء ارتفاعه في الهواء، متجاهلًا تحذير والده، مما جعله يقترب جدًا من الشمس، التي أذابت شمع أجنحته. فسقط إيكاروس في البحر الإيكاري وغرق. كما نرى فالقصة مثال على المخاطر المرتبطة بعدم الالتزام بالتحذيرات والحدود، خاصة عندما يتعلق الأمر بمعرفة تمنح قوى عظيمة.

هل يمكن اعتبار هذه القصة دعوة للتأمل، لاستخلاص رسالتها الباطنية التي تحذر من خطورة الغرور المفرط عند بدء تحقيق النجاح في أي مجال من مجالات الحياة، سواء المادية أو الروحية؟ إن الطامحين للوصول إلى قمم الأوليمبوس - حالة الوعي المتنور - قد يستفيدون كثيرًا من مأساة إيكاروس. فالتقدم الداخلي قد يثير الرغبة في التفاخر بقواهم والتأكيد على تفوقهم على الآخرين، وهو ما يُمثّل رمزيًا الطيران قريبًا جدًا من الشمس. كما قيل بحق، فإن الغرور يسبق السقوط([2]). وبالفعل، يمكن اعتبار هذه النزعة واحدة من نقاط الضعف الرئيسية للبشرية، مثل كعب أخيل الذي أودى به رغم قوته.

وهكذا، قد يقول الحكماء القدماء([3])، ردًا على السؤال المتعلق بكيفية تأويل وفهم الأساطير القديمة، ما يلي:

جرب أن تختبر وتستكشف الأفكار التي تمنح القوة بينك وبين نفسك، أي اختبرها داخليًّا، والتي عادة ما تكون محجوبة بالأساطير، لمنع إساءة استخدامها، والتي تقول بأنَّ الآلهة العليا في الهند ومصر واليونان وأوروبا الوسطى وإسكندنافيا هي تجسيدات رمزية للمبدأ الإلهي الذي يتميز بوجوده الشامل في الكون، وفي الوقت ذاته، بكونه قوة جبارة مخبأة بعمق داخل كل إنسان([4]).

سيكتشف المرء، في الوقت المناسب، أن الأعمال الدْرامية العظيمة، حصرًا، الحاملة لإلهام حقيقي، والتي نجدها في الأساطير، تُصوِّرُ وتُجسِّدُ بأسلوبٍ أُمثولي أو تمثيلي allegorically أحداثًا إلهية تحصلُ باستمرار داخل وعبر كل واحدة من الممالك الأربع للطبيعة - خاصة الإنسانية - والحيوانية، والنباتية، والمعدنية، بالإضافة إلى العناصر الأربعة: الأرض، الماء، الهواء، والنار. علاوة على ذلك، سيتبين أن مغامرات كل من الآلهة العليا وأقاربهم الإلهيين - مثل الأولمبيين في اليونان القديمة وذراريهم الكُثُر، على سبيل المثال - تُجسد كلٌّ منها إجراءات أو عمليات مختلفة تحدث في إطار الخلق بأسره.

وعند تأويلها تأويلًا دقيقًا، نجد أن معظم التفاعلات بين الآلهة أنفسهم أو بينهم وبين البشر تصف علاقات متنوعة. وعلى الرغم من الحُجُب الواقية التي قد توحي بعكس ذلك، فإن هذه التفاعلات تهدف دائمًا إلى تسريع التطور، حيث تربط بين الجوهر الإلهي الكامن في الداخل والذات البشرية المألوفة لكل ساكن على الأرض. يدعم هذا النهج ستانيسلاس دي غيتا في كتابه «عتبة الأسرار»، فكتب يقول:

... إنَّ فعل إحاطة الحقيقة كاملة بلغة منطوقة، والتعبير عن الأسرار الباطنية المتعالية بطريقة مُجرَّدٍة، لن يكون فعلًا بلا معنى فحسب، وخطير وتدنيسي، بل إنَّه، علاوة على ذلك كله، غير ممكن بالمرة. إذ إنَّ هناك نظامًا من الحقائق يتصف بالدقة والتركيب والعنصر الإلهي موضوعٌ خصيصًا لتأدية هذا الغرض، وهو للإحاطة بالحقيقة كاملة وللتعبير بأسلوب تجريدي عن الأسرار ذات الطراز المُتعالي، بحيث تقف اللغة البشرية عاجزة أمامه على الرغم من كمالها المزعوم الذي لا يُمس([5]). وليس إلَّا المُوسيقى تقدر على حمل النفس الصاعدة على الشعور بهذه الحقائق أحيانًا، وليس إلَّا النشوة أو الجذبة الصوفية قادرة على أن تُظهرها في رؤية مطلقة، وليس إلَّا الرمزية الباطنية قادرة على أن تكشفها للروح بطريقة محسوسة.

إذا قُوبِلَ المنهج سالف الذكر، خاصةً الفكرة الأخيرة المذكورة، بالاستحسان والقبول وجرى العمل به على وجهه الذي بيناه، فإنَّ قراءتنا للإله زيوس في الميثولوجيا اليونانية ستختلف جذريًّا، فهو لم يكن في الحقيقة إلهاً فاسقاً، يدخل باستمرار في علاقات غير شرعية مع النساء اللواتي يقع في حبهن. بل على العكس من ذلك، إن العلاقة المستمرة بين زيوس وغيره من الإلهات الأولمبيات والعديد من العشيقات البشريات يمكن تأويلها على أنها توصيف وتوضيح للتأثيرات الإلهية التي تعمل على تحسين الطبيعة البشرية. وقد تأخذ هذه التأثيرات أشكالاً مختلفة، مثل النعمة الإلهية أو الإلهام الروحي.

إنَّ الأحداث الأسطورية، مثل تحول زيوس إلى بجعة مع ليدا أو ثور مع أوروبا أو تحوله إلى وابل (مطر) من الذهب ينصب على داناي المسجونة، ترمز إلى هذه العملية الروحية تحديدًا. إنها تُظهر كيف يمكن للإلهي أن يتجلى في العالم المادي ويؤثر على البشر. بعبارة أخرى، إنَّ هذه الأحداث الأسطورية تُسجل لكي يتمكن الإنسان الفاني - الذي يُجسد في الشخصيات الأسطورية المحبوبة - من أن يصبح مُتنورًا روحياً ومَهديًّا داخليًا على طول مساراته المختلفة في الحياة. وفي الواقع، يُعلَّم أن الإلهي في الإنسان - النفس الحقيقية - يسعى دائمًا إلى إنشاء علاقات مع الشخصية البشرية. ومن خلال فهم هذه الرموز الأسطورية، يمكننا أن نتعلم كيف نستفيد من هذه القوى الإلهية في حياتنا اليومية([6]).

إحدى الإجابات التي قد يقدمها الحكماء([7]) على سؤال كيفية تأويل الأساطير والكتب المقدسة وتطبيقها بفعالية على حياتنا هي: «انظر إلى داخلك، واسعَ لمعرفة ذاتك الإلهية المخفية والاتحاد معها. اجعل نفسك أكثر استجابة للحكمة والفهم المتجسدين في الإلهي الموجود داخل كل إنسان، والمتاحين دومًا. واصعد جبل أوليمبوس - المكان الأسطوري للإلهي الموجود في الطبيعة والإنسان - حيث تسكن الذات الروحية للإنسان بشكل دائم. هناك ستجد الطفلة المحبوبة لزيوس، الإلهة الحكيمة أثينا وعذراء بارثينوس، التي ستوفر لك الحماية وترشدك، بصفتك «برسيوس» في هذه الرحلة، إلى قطع رأس أخطر قوة داخلية والمتمثلة في «ميدوسا([8])» ذات الشعر الأفعواني.»

يقول الحكماء القدماء أنه بعد الاستعداد الروحي، يمكننا تحرير «أندروميدا»، وهي رمز للذات السجينة، من الوحش البحري، الذي يرمز إلى الشر في الإنسان. هذا الوحش يمثل الأنا المادية التي تربطنا بالعالم المادي- الصخرة الإثيوبية المحاطة بالبحر. كما يمكننا أن نستخدم أجنحة ديدالوس للطيران بعيدًا عن مِينوْس والمِينوْتَوْرُس، سجن مينوس في المتاهة، أي العقل المادي والجدلي. هذه الأجنحة تمثل الوعي الروحي الذي يرفعنا إلى عالم الروح، وصعودًا إلى السماوات العليا، الوعي الروحي، الأوليمبوس الداخلي. لكن يجب الحذر من الغرور، كما حدث لإيكاروس، الذي طار عالياً جدًا وسقط سقوطًا مأساويًّا.

يمكن لمثل هذه النصائح أن تكون ذات قيمة كبيرة حقًا، كما أدركتُ بنفسي - بل واكتشفت- أثناء محاولاتي تأويل العهد القديم والجديد وأساطير العالم. وعندما يُنظر إليها على أنها كشف إلهامي بالحقائق الروحية والفلسفية الممنوحة - والتي لا تُخفى في كثير من الأحيان في لغة التمثيل Allegory والرموز، فإنها يمكن أن تكون مفيدة للغاية وعملية للغاية.

 


 

الغورغونة ميدوسا – الكونداليني المُجنَّحة

 

هل لي أن أشير هنا إلى تجربة شخصية عميقة مررت بها- إن كان يُسمح لي بذلك؟ فبصفتي دارسًا للهندوسية واليوغا، وأيضًا للقوة الحياتية الهائلة والخطيرة المعروفة باسم «كونداليني شاكتي» أو «النار الأفعوانية»، كنت على دراية مسبقة بالمسارات الثلاثة المُترابطة، أو ما يُعرف باسم «الناديات»([9])، جمع نادي، التي تسلك فيها هذه القوة الكونية العظيمة أثناء صعودها على طول العمود الفقري وصولًا إلى الدماغ.

كانت النار الأفعوانية رمزًا قديمًا للخصوبة والدافع الجنسي، وبالتالي ذات طبيعة فالوسية (قضيبية). عند إساءة استخدامها أو خروجها عن السيطرة، يمكن أن تصبح خطيرة جدًا على الجسد والعقل. أثناء دراستي للأساطير اليونانية، أدركت أن الكائنات الأفعوانية فيها تُستخدم كرموز للقوى المعارضة والمدمرة، مثل هيدرا ليرنا، والأفعى الحارسة للصوف الذهبي، وجسد ورأس الغورغون ميدوسا. ربما يمكن إدراك دهشتي عندما اكتشفت أيضًا أن شكل العصا في يد هرمس كان تمثيلًا دقيقًا لكل من الكونداليني ثلاثية الشعب والمسارات الثلاثة أو الناديات داخل الجسم التي تسلكها هذه القوة!

تذكرت حينها الحادثة البارزة المسجلة في الإصحاح الرابع من سفر الخروج، حيث تحولت عصا هارون إلى أفعى، وقد قدّمتُ تفسيرًا لهذه الحادثة في الجزء الرابع من كتابي «الحكمة المخفية في الكتاب المقدس»([10]).

 


 

 

المسارات الثلاثة للكونداليني المُوقَظة أو الصاعدة

  

 


 

الصولجان في الإنسان Caduceus، وعلى اليمين صولجان هرمس

 

 


 

الشاكرات وفقاً للفلسفة التانترية

اليوغي مع كونداليني مستيقظة تماماً

 

 

 

 


 

 في هذه الصورة يظهر رسم يرمز إلى كونداليني والطاقة الروحية في نظام الشاكرات. النصوص المكتوبة حول الرسم هي:

1.      الغدة الصنوبرية PINEAL GLAND

2.      الغدة النخامية PITUITARY GLAND

3.      قناة إيدا IDA (تمثل الجانب الأنثوي للطاقة)

4.      قناة بينغالا PINGALA (تمثل الجانب الذكوري للطاقة)

5.      قناة سوشومنا SUSHUMNA (المسار المركزي الذي تصعد فيه طاقة الكونداليني)

الرسم يظهر العصا المجنحة (رمز الطاقة الروحية المتصاعدة)، مع ثعبانين متشابكين يمثلان تدفق الطاقة من القناتين إيدا وبينغالا على جانبي قناة سوشومنا المركزية.

 

 

يتناول هذا الكتاب أمثلة أخرى لاستخدام رموز مشابهة بنفس هذا السياق، مشفوعة برسوم دقيقة مقتبسة بعناية من المصادر المصرية واليونانية القديمة.

ومن أبرز هذه الأعمال الفنية، لوحة عربة تريبتوليموس المجنحة التي تحركها أفاعٍ مجنحة؛ فقد كان تريبتوليموس، باعتباره مُريدًا وبادئًا في تنشئته الروحية بالأسرار الإليوسية، مُنح هذه القوة للسفر حول العالم وتعليم «الزراعة». لكنني أقترح أن المقصود هو زراعة الروح، وليس الأرض. ويبدو أنه قد تعلم أيضًا كيفية استخدام هذه القوة بأمان - كما هو الحال مع كل مريد في مسار الروح - تحت إشراف الإلهة ديميتر، التي ترمز إلى المرشد الروحي أو الكاهن القائم بأعمال التنشئة الروحية أو الهايروفانت أو الشيخ بالسياق الصوفي.

وعندما بدأت دراسة أكثر جدية لهذا الموضوع، اكتشفت - وبشيء من الدهشة - كما ذكرت سابقًا، أن تصميم عصا هرمس يُظهر تشابهًا مذهلًا، بل تطابقًا تقريبًا، مع نمط الناديات الثلاث التي يُقال إن الكونداليني ترتفع عبرها من العجز إلى الدماغ في الفلسفة الهندوسية.

لقد بيَّنت لي تأويلات الأساطير الإغريقية مدى التطابق الدقيق بينها وبين الفلسفة الهندوسية. هذه الفلسفة الموضحة، تحديدًا، في كتاب «القوة الأفعوانية» لآرثر أفالون، والذي كانت صورة غلافه تعبر بدقة عن فكرته.

يُصوَّر الجانب الثالث من الثالوث الهندوسي - الإله شيفا - أيضًا في الرسومات كيوغي بشعر متشابك تلتف حوله أفعى ترفع رأسها فوق رأسه، بينما تزين أفعى أخرى عنقه، وتستخدم ثالثة «كالخيط المقدس». أما الأحجار المنقوشة في الهند التي تصور مسارات الناديات الثلاث، ووضعها بأعداد كبيرة بجوار الأشجار التي تدور حولها النساء الساعيات إلى الإنجاب أثناء تأديتهن لطقوس معينة، فيعكس بوضوح الاعتراف بالثعبان كرمز مزدوج: رمز للقوة الإخصابية والحكمة الروحية الباطنية.

قد يتخيل القارئ وربما يشاركني دهشتي عندما أدركت أن هذا النظام نفسه من القنوات هو الشكل ذاته لعصا القوة السحرية التي مكنت الإله العظيم هرمس من تجاوز الحدود المكانية المعتادة! فهذه العصا في يده منحته القدرة على الصعود إلى الأوليمبوس العالي في الجِنان، والنزول إلى الهاوية العميقة تحت سطح الأرض.

يمكن اعتبار الرمز المصري الذي يُمثل توحيد الملك مينا لمصر العليا والسفلى تعبيرًا عن التدفق الصاعد والمتقاطع لنار الأفعى، التي عند إيقاظها بالكامل واستعمالها بوعي، تكشف لليوغي من خلال التجربة حقيقة وحدة الحياة الإلهية في الكون (الأوليمبوس-العُلو) والإنسان (الهاوية-السُفل). هذا التوحيد يُجسد في مصر رمزيًا عبر رمز جغرافي يُشير إلى هذه الوحدة الروحية.

لا شك أن تصوير الرمز يختلف في الفن المصري، لكن يظل التصميم العام متسقًا. ويُعد الرسم المرافق ذا أهمية خاصة نظرًا للإشارة الواضحة إلى عظام الحوض البشري عند قاعدة العمود الفقري والطريقة التي يُعرض بها العمود الفقري كهيكل مكوّن من فقرات مترابطة. سنناقش هذه الأساطير وغيرها بالتفصيل في هذه الدراسة عن الرمزية، خاصةً مع تضمين العديد من الرموز والتجسيدات الدقيقة أو المشابهة للنار الأفعوانية في تلك الأساطير بشكل متكرر.

بينما واصلت دراسة هذه الرموز مع بزوغ تأويلات كهذه وأخرى في ذهني، انفتح أمام وعيي عالم جديد بالكامل. ومنذ أن فُتح هذا «الباب» لي، شعرت بجاذبية مستمرة تجاه هذا العالم وبقيت أستكشفه. يُعد هذا الكتاب بمثابة عرض جزئي لبعض الاكتشافات التي ما زلت أتابعها. فقد وجدت تشابهًا كبيرًا بل تطابقًا أحيانًا بين التعاليم الهندية المتعلقة بـالنار الأفعوانية والطريقة التي تم بها تقديم الأفكار ذاتها بشكل رمزي وتمثيلي وأسطوري، خاصةً في مصر القديمة واليونان.

 


 

الرمز المِصري لوحدة مِصر العُليا ومِصر السُّفلى



[1]- الطريق الذي يُقصد منه تسريع النمو الروحي والفكري عمدًا، كما في طقوس الأسرار الكبرى والصغرى.

[2]- "قَبْلَ الْكَسْرِ الْكِبْرِيَاءُ، وَقَبْلَ السُّقُوطِ تَشَامُخُ الرُّوحِ." (أمثال 16: 18).

[3]- نشأت المدرسة اليونانية للفلسفة مع المفكرين السبعة المخلدين الذين أُطلق عليهم في البداية لقب سوفوس، أي «الحكيم». وبحسب ديوجين لايرتيوس، فإن هؤلاء الحكماء هم: طاليس، وسولون، وتشيلون، وبيتاكوس، وبياس، وكليوبولوس، وبيرياندر.

[4]- بالنسبة للمؤلف، هذه واحدة من أعظم الحقائق وأكثرها عمقًا، علاوة على ذلك، يمكن تجربتها بشكل مباشر وإساءة استخدامها بشكل خطير.

[5]- هذا يذكرنا بنص في القرءان الكريم يُشير بظاهره إلى معنى تحدي الإنس والجن معًا للإتيان (بمثله)، فيؤكد النص أنه حتى وإن اجتمعوا على ذلك فلن يقدروا على الإتيان بمثله أبدًا: قل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا.(الإسراء:88). ويذكرنا بنص آخر من التراث عن ذلك الذي راح يسمع القرءان فرجع متعجبًا بأنه ليس شعرًا وليس كلامًا يألفه، وهو الوليد بن المغيرة من سكنة مكة ويُزعم أنه من قادة الكفر حسب الموروث الإسلامي، فقال مجيبا لقريش في شأن القرآن: ما فيكم رجل أعلم مني بالشعر ولا بزجره، ولا بقصيده، ولابأشعار الجن، ووالله ما يشبه الذي يقوله محمد شيئا من هذا، ووالله إن لقوله حلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه لمنير أعلاه، مشرق أسفله, وإنه ليعلو ولا يعلى، وإنه ليحطم ما تحته. المُترجم 

[6]- هذا ما تكشفه الكتب المقدسة العالمية. في الهندوسية، نقرأ أن الرب كريشنا أكد: "من يرانى فى كل شىء، ويرى كل شىء فيّ، لن أفقده، ولن يفقدنى". (بهاغفا غيتا، الفصل السادس، ترجمة أني بيسانت). وبالمثل، أكد الرب المسيح: "وإني معكم كل الأيام، إلى انقضاء الدهر". (متى 28:20).

[7]- لقد كان الحكماء (المستنيرون) في العصور القديمة بعيدو النظر حقًا؛ إذ أدركوا أن الأمم تزدهر وتندثر، وأن الإمبراطوريات تقوم وتسقط، وأن العصور الذهبية للفن والعلم والمثالية تتبعها عصور مظلمة يسودها الخرافات. ومع وضع احتياجات الأجيال القادمة في المقام الأول، بذل هؤلاء الحكماء جهودًا لا يمكن تصورها لضمان الحفاظ على معارفهم وحماية البشرية من الاكتشاف المبكر—وبالتالي إساءة استخدام—القوى الخفية التي تظل عادة كامنة في جسد الإنسان.

[8]- ميدوسا—الوحيدة من بين الغورغونات الثلاث التي يمكن قتلها، حيث إن الغورغونتين الأخريين خالدتان. لاحظ بشكل خاص الوصف الفريد والمحدد—وأقترح أنه متعمد—لـ"الشعر الأفعواني" الذي يرتفع فوق تاج رأس الغورغون. قارن هذا مع المسار المتداخل الذي تسلكه النار الأفعوانية (Kundalini) أثناء صعودها على طول العمود الفقري للـ"يوغي" المستنير.

[9]- النادي (Nadi): قناة أو عصب لنقل التيار. في السياق الروحي واليوغي، يُشار إلى «نادي» على أنها قناة طاقة دقيقة في الجسم البشري. هذه القنوات تنقل الطاقة الحيوية (برانا) عبر الجسم، وتؤثر على الصحة والرفاهية العاطفية والروحية.

[10]- لقد ترجمنا من المجلد الأول بعض فصول مختارة تجدها على الرابط التالي: هنا.

تعليقات

مواضيع المقالة